ما بعد سكن الطالبات..

بسم الله الرحمن الرحيم
 
مرّت أسبوعين من بداية العام الجامعي، كان كل صباح بمثابة صراع جديد بالنسبة لي.. ففي بداية الصباح أشتاق لإخواني وأمي، وفي لحظة خروجي من السكن أشتاق لشوارع الخبر، أما في وقت الدوام كان الشوق لصديقاتي لا يُطاق.
بعد هذه الأسبوعين، بدأت بالتّعود على هذه الأجواء الجديدة شيئاً فشيئاً.. حتى أتى ذاك اليوم، الذي أخبرونا فيه بأن نظام الكلية سيتغير ابتداءً من الغد، فبدل من دراسة مواد السنة التحضيرية.. سنبدأ بدراسة مواد التخصص!
يا الله! لم تكن أسبوعين سهلة أبداً، أخذت مني الكثير من الوقت لأبدأ بالتعود على كوني طالبة جامعية في السنة التحضيرية، كيف سأكون طالبة تدرس تخصص الطب ابتداءً من غداً! اللهم لا اعتراض.. ولكن حقاً كان الغد يوم مجهول ومخيف بالنسبة لي خصوصاً كوني أول فرد من العائلة يدخل هذا التخصص.. وبلا أي تهيئة.. غداً سوف تبدؤون بدراسة التخصص.. من هول الصدمة كنت الوحيدة التي تضحك بالدفعة، لأنني كنت متأكدة أنها مزحة..
 
وحينما أتى الغد.. بدأنا بدراسة مادة "الهيستولوجي"، لن أتحدث عن مدى فهمي في أول محاضرة لأنه أمرٌ مفروغ منه.. ولكن سأكتفي بمعلومة أنني لم أكن أعرف معنى اسم المادة أصلاً
هيستولوجي، فيسيولوجي، بايوكيمستري.. كنت في صراع مع هذه المواد.. المحاضرات تتراكم، والوقت يمضي.. لا أدري هل هو تقصير مني، أم سوء تنظيم للوقت، أم مجرد صعوبة في البداية.. كل الذي أعرفه أنني كنت أبحر في محاضرات كثيرة، واسئلة كثيرة تتردد في بالي، وحاجة كبيرة لاستشارة أو نصيحة من طالبة تكبرني..
 
أتت إجازة العيد الأضحى، وبعد إجازة عيد الأضحى انتقلت للسكن الجامعي الجديد
كان من الأيام التي لن تُنسى أيضاً، وصلت للسكن.. كانت ابنة عمي قد سبقتني هذه المرة، استقبلتني و أوصلتني إلى غرفتي في الدور الثالث.. كان وضعي أفضل من اليوم الأول في السكن القديم بكثير والحمد لله على ذلك.
لكن من ذاك اليوم بدأت مشكلة جديدة.. مشكلة لم تكن في الحسبان أبداً، مشكلة أن السكن الجديد كان "جبس" وليس بنيان.. وصوت الطالبات يسري.. وبطبعي شخصية لا تستطيع الإنجاز إلا بالهدوء، فكنت لا أستطيع أن أنجز أي شيء! أي شيء!
وما زال الوقت يمشي، المحاضرات تتراكم، والاختبارات النهائية تقترب!
يا الله أنا أحاول جاهدة أن أدرس واجتهد، ولكن الظروف المحيطة لا تُساعدني، فسّخر لي يا الله .. كانت هذه دعوتي كل يوم
 
عالم طالبات الطب.. كان عالم مجهول تماماً بالنسبة لي، على الرغم من أني أصبحت طالبة طب، لكني ما زلت أشعر بالكثير من التقصير، والأمور المُعلقة التي تحتاج نصيحة أخوية من أخت يسخرها الله لأُكمل في هذا الطريق.
كنتُ في كل صباح في الباص أبحث تحت عبايات الطالبات أحاول أن ألمح "سكراب أزرق (لبس طالبات الطب)" ولكن سبحان الله ، كأن طالبات الطب اختفوا من الوجود.. أسبوعين متواصلة من البحث لم أستطع أن اتعرف بها على طالبة واحدة.
 
بعد أسبوعين، عرفت خيرة الله بأني لم أجد أي طالبة طب طيلة الأسبوعين التي مضت، ربما لأن الله سيكتب لي مصادفة واحدة من خيرة طالبات الطب.. الساعة 6:57 ص ، كنت كالعادة أقوم بالمهمة الصباحية.. أبحث تحت عبايات الطالبات عن سكراب أزرق.. وأخيراً وجدتها! ركبت الطالبة الباص، وركبت أنا بعدها.. أظن أنني لم أرمش طول الطريق لأني خفت أن تختفي من أمامي دون أن أتكلم معها، فهذه الطالبة هي نتاج بحث أسبوعين متواصلة كل يوم صباحاً ومساءً!
نزلت للكلية، ونزلت خلفها..
أنا: السلام عليكم
...: وعليكم السلام
أنا: أنتِ طالبة طب بالسكن؟
...: ايه تفضلي
أنا: أنا طالبة طب سنة أولى وعندي مشكلة اللي هي الإزعاج ومو قادرة أدرس
...: "أعطتني أول نصيحة"
أنا: شكراً يعطيك العافية
 
بعد عودتي للسكن في ذلك اليوم المُختلف.. طبقت نصيحتها ولكنها لم تعمل بالشكل المطلوب، أخبرت ابنة عمي وقررنا البحث عن هذه الطالبة، فالذي أتذكره أن الطالبة كانت ذات وجهٍ بشوش، طيبة قلبها كانت واضحة على ملامح وجهها منذ أول لقاء.. فلم أخجل من البحث عنها ولم أخف من ردة فعلها..
ولكن المشكلة! أنني لا أعرف عن هذه الطالبة أي شيء ولا أي معلومة.. حتى اسمها لم اسألها عنه، كل الذي أعرفه أنها في عمارة رقم 8 ولا أذكر كيف عرفت هذه المعلومة لأنها لم تخبرني عنها، وأغلب الظن أنها كانت تخمين مني.
وبعد ساعة كاملة من البحث، عرفت رقم غرفتها عن طريق إحدى الطالبات..
دار بيننا حوار لم يكن قصيراً ولم يكن طويلاً، ولكنه كان مليء بالنصائح الذهبية التي أبحث عنها لمدة شهرين..
حمدت الله على هذه اللحظة، وقررت أن أذهب وابدأ بالدراسة من ذلك الموقف.. واعتبر تلك اللحظة بعد توفيق الله.. هي بداية نجاحي في هذه السنة
 
كانت أنوار.. طالبة الطب، ذات الروح الملائكية، والابتسامة النقية.. طالبة طب مختلفة عن أي طالبة أخرى، ليس لأنني لم أعرف غيرها، فأنا الآن قد عرفت الكثير والكثير من الطالبات سواء من داخل السكن أو من خارجه.. لكن أنوار كانت وما زالت مختلفة، كانت أخت حقيقية منذ اليوم الأول الذي عرفتها فيه، مٌبتسمة دائماً.. كانت ابتسامتها تخبرني أن الحياة جميلة، وأن كل شيء ما يزال على ما يرام فلا داعي للقلق، كانت تنصحني منذ اليوم الأول الذي عرفتها فيه، هي خيرة الله حينما أخفى كل الطالبات عني، لتكون هي استجابة دعواتي الكثيرة.. لم يكن دورها يقتصر على النصائح الجامعية وحسب، بل كانت حاضرة في أي مشكلة أقع فيها، في وقت مرضي.. وفي كل وقت.. 18 عاماً قد عشتهم في منزلي بلا أخوات، وبقدر ما حُرمت من الكثير من الأمور في هذه السنة.. ولكن الله عوّضني بشعور الأخت التي تعيش معي في نفس المكان، حتى لو كان لعام واحد فقط..
 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)