يوم تخرجي من المرحلة الثانوية..

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الثانوية.. ستة أحرف، تحمل الكثير من القصص والمغامرات.. الكثير من المشاعر الصادقة.. مرحلة مميزة بمعنى الكلمة، لم نكن بها مراهقات بهموم تافهة.. فقد كنا حاملين هم مستقبل. ولم نكن بها كبيرات بما فيه الكفاية، فقد كنا ما نزال نلبس المريول المدرسي كل يوم. كنا خليط من هذا كله.. أرواح صغيرة، بعقول كبيرة، صداقات بريئة وأيام لن تتكرر، الكثير والكثير من المعاني الجميلة تتردد في ذهني حينما اسمع كلمة "الثانوية"
 
كأي يوم من الأيام.. كنت أذهب للمدرسة في تمام الساعة 6:30 ص، بخطوات متثاقلة أذهب لأضع عبايتي في الخزانة.. ثم أعود للساحة الخارجية.. تدخل نورة ثم فاتن ثم رزان ثم ثم ثم.. حتى تأتي الساعة 6:45 معلنة عن ابتداء الطابور الصباحي
كنت أجد لنفسي عذراً أغلب الأيام كي لا أقف في الطابور، إما مشاركة في الإذاعة، أو مشروع مدرسي، أو مساعدة لطالبات النظام..
يبدأ الطابور الصباحي بإذاعة صباحية ثم تبدأ التهديدات الإدارية حتى آخر فقرة، النشيد الوطني..
 
كل شعبة تذهب لفصلها، وتبقى شعبة العاطلين الذين يصطفون بجانب العمود.. " شعبة الفراغ الأساسي على قاعتكم" هذا ما كان يُقال.. ولكن الذي يُسمع "كل وحدة تروح تسوي اللي بخاطرها" وتبقى قاعة الفراغ الأساسي فارغة من كل شيء ما عدا معلمة الفراغ الأساسي، بالنسبة لي كانت لي مهمة لا استطيع الاستغناء عنها في كل صباح.. وهي توصيل طالبات مادة علم البيئة لقاعتهم الدراسية، أما صديقاتي فكل واحدة أشغلها الله بمهمة مختلفة..
الحصة الثانية، كيمياء.. كنا نحضر هذه الحصة متعبين مع أنها الحصة الثانية.. وأول جملة لنا تكون "أستاذة احنا متقدمين بالمنهج ما نبي درس" وتمر هذه الحصة لتأتي حصتنا المفضلة..
الحصة الثالثة، القرآن الكريم.. الحصة الوحيدة التي لا أذكر أننا قد طلبنا من المعلمة فيها ألا نأخذ شيء.. كانت حصة روحانية بمعنى الكلمة، ما بين تلاوة وتفسير وتجويد وتصحيح تلاوة ونقاشات مع المعلمة.. تنتهي الحصة والحمد لله أن اليوم هو الأحد، فشعبة المستوى الرابع لن تداهمنا كالعادة..
ثم تأتي الفسحة.. لتنتهي معلنة عن ابتداء الحصة الرابعة، حصة الفراغ الأساسي.. ولكنها مختلفة هذه المرة عن الحصة الأولى، لأن بعدها ستكون حصة الفيزياء.. فننشغل بها بحل الواجبات وترتيب الملفات..
الحصة الخامسة، فيزياء.. كانت حصة مُتعبة للعقل.. كنت أعرف أنها أوشكت على النهاية حينما أرى ضي قد نزعت نظاراتها، فهذه الحركة تكون إعلان عن أن العقل لم يعد يستوعب المزيد من المعلومات الفيزيائية.
أما الحصة السادسة، فهذه الحصة كانت غالباً من أجمل الحصص، فلا هم واجبات فيزياء، ولا صراخ اداريات كالحصة الأولى.. فالحمد لله أن الإداريات قد نفذت طاقتهم في الحصص الخمس الأولى، كنا نجلس في الساحة الخارجية، أو في قاعة الإرشاد الطلابي.. أو في أي مكان غير قاعة الانتظار غالباً..
ثم تأتي فسحة الصلاة، "اللواكر" هو محل التجمع في هذه الفسحة.. فطالبة تأخذ عبايتها للصلاة، والأخرى تجمع أغراضها، والأخيرة تجهز الحاسبة والكتاب لحصة الرياضيات الأخيرة.
يرن الجرس معلناً عن ابتداء الحصة الأخيرة، الرياضيات.. والحمد لله تمر هذه الحصة التي تظل المعلمة تشرح فيها لآخر لحظة.. لينتهي اليوم الدراسي
 
هذا يوم من بين مئات الأيام التي قضيناها في المرحلة الثانوية.. ولكن المميز به، أنه يوم من أيام المستوى السادس "ترم التخرج" كانت كل حواراتنا عن التحصيلي.. الجامعة.. والتخرج
التخرج! كنا ننظر له على أنه حفل نختم به تعب 12 عاماً.. كنا نعلم أنّ بعده جامعة، لكن لم تكون عقولنا مستعدة بما يكفي لتخيل أشكالنا كطالبات جامعيات..
 
"بنات تعالوا قيسوا عبايات التخرج بغرفة أ.ايمان"
"بنات بالفسحة روحوا للمصادر تدربوا على الأنشودة"
"بنات بروح اسأل أ.منال عن لون الكعب"
"بنات بكرة بنقعد لين 4 نتدرب على المسيرة"
"بنات تعالوا استلموا بطايق التخرج من غرفة أ.أحلام"
 
يوم الأربعاء.. عُدت للمنزل، إلى المشغل.. ثم إلى مشغل آخر، استعداداً لحفل تخرجنا غداً..
يوم الخميس 7May2015 , أو 18 رجب 1436 هـ .. كان اليوم المنتظر.. يوم تخرجي من المرحلة الثانوية، استيقظت على صوت المنبه الساعة 5:00 ص .. بدأت بالاستعداد، كنت أنظر لنفسي في المرآة وأشعر بالخجل.. كيف سيرونني معلماتي وأنا بكامل أناقتي.. فلقد اعتادوا على رؤيتي بنظارة و"ذيل حصان"..
دخلت للمدرسة، كانت مشرفة النشاط تأخذ الجوالات من عند الباب.. دخلت للساحة الداخلية، ولم أعرف مدرستي في تلك اللحظة، فقد كانت كأنها قاعة أفراح.. مبتهجة مستبشرة بتخرج دفعتها الأولى..
"روحي لقاعة أ.منال كل الخريجات هناك"
في تلك اللحظة بالذات.. حينما دخلت للقاعة التي كانت تضم 70 خريجة.. شعرت أنني قد أخطأت بعنوان المدرسة، كنت أبحث عن صديقاتي ولكن أشكالهم المأساوية تغيرت في ذاك اليوم.. لقد كنّ يزهون بعباءة التخرج والقبعة، مع الشعر المفتوح والمكياج..
كنت أمعن النظر في كل طالبة قبل أن أناديها باسمها.. خفت أن أغلط بهنّ مع أنهن صديقاتي لسنوات..
"أبي عطر" ، "تعبت من الكعب من الحين مدري كيف بالأنشودة" ، "شكلي زين؟"
ولم تتوقف أسألتنا إلا عندما نادت مشرفة الحفل، ستبدأ مسيرة الخريجات
نصف الخريجات من عند قاعة التدبير، والنصف الآخر من عند قاعة المديرة..
بدأ المنشد " لحظة بعمرنا نادرة لحظة عمر، اللي جمعتنا بصحبنا طول الدهر"
تدخل سارة من جهة، وسمر من الجهة الأخرى.. يلتقون في منتصف الطريق، ويكملون مسيرتهم سوياً حتى المسرح..
وهكذا حتى اكتمل دخول كل الخريجات.. بدأنا في النشيد الوطني..
ثم توجهت كل واحدة منا لمقعد الخريجة المخصص لها..
مرّت فقرات الحفل.. من كلمة المديرة، إلى كلمة الخريجات، إلى عرض الخريجات، وحتى الفقرة المفضلة "يا دار"
اشتعلت المدرسة تصفيقاً وحماساً مع هذه الفقرة.. ثم فقرة دينية خفيفة من معلمة الدين تتكلم بها عن فضل تربية البنات.. شعرنا بالفخر جميعا كوننا بنات خريجات في تلك اللحظة، وتمر الفقرات حتى أتى تكريم الخريجات..
كل واحدة تترقب اسمها بتوتر.. الخريجة فلانة بنت فلان الفلاني، ما زال صداها يتردد في رأسي حتى الآن..
أذهب للمسرح، أسلم على المديرة.. استلم الشهادة.. ثم اصطف بجانب زميلاتي.. حتى اكتملت السبعون خريجة على المسرح..
لتبدأ أجمل فقرات الحفل، معلنة عن نهايته.. أنشودة التخرج الجماعية
" شهادتنا ترد الروح نرفعها وين ما نروح" وأكملنا الأنشودة حتى ختمنا أجمل أيام عمرنا بآخر عبارة من الأنشودة "تخرجنا تخرجنا وخلوا الكون يسمعنا، وصافحنا مدامعنا على سكة أمانينا"
انتهت فقرات حفل التخرج، ولكن مشاعره كانت تتضخم فينا.. سلمت على أمي، التي بلغها الله ولله الحمد بأن ترى ابنتها الوحيدة خريجة.. وبدأت بالسلام على صديقات الثانوية.. صديقات أجمل أيام العمر.. الصديقات اللاتي لن يتكررن.. صديقات رافقوني في اختبارات القدرات، اختبارات الثانوية العامة، دورات التحصيلي، الاختبار التحصيلي، الحياة الثانوية، حفل التخرج، وحتى اختيار التخصص الجامعي وتحديد المستقبل.. صديقات، شاركوني أجمل لحظات عمري، التي ستظل محفورة في قلبي قبل عقلي.. صديقات صادقات بمشاعرهنّ.. ما زلت ألقاهم حتى اليوم، أو أكلمهم على الأقل.. ولم يتغير بيننا شيء من المشاعر الصادقة.. أحبهم


تعليقات

  1. فخورة فيك فجر كونك إحدى خريجاتنا العزيزات على قلبي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)