أول ليلة في سكن الطالبات..

بسم الله الرحمن الرحيم

تخرجت من المرحلة الثانوية، وبعد عواصف التفكير والحيرة، ما بين استشارة فلانة، والبحث عن نفسي وميولي، وصلاة الاستخارة.. كتب الله لي أن اختار دراسة الطب في إحدى جامعات المملكة التي تبعد ساعتين عن منزلي.. وهذا يعني أنني سوف أكون في سكن الطالبات..
 
سكن الطالبات! اسم غامض يحمل الكثير والكثير من الأسئلة.. فالإعلام يصوّر سكن الطالبات بأنه المبنى الذي تجتمع فيه مجموعة فتيات يسهرن حتى ساعات الليلة المتأخرة على كل شيء ماعدا الدراسة.. أما آراء الناس فكانت تصوّر سكن الطالبات على مبنى غامض ممل تعيس، ما بين حلمٍ حلمت به 12 عام وحققه الله عز وجل وما بين خوفٍ من البعد عن الأهل والسكن في هذا المكان المجهول تماماً بالنسبة لي.. اخترت حلمي وتم تأكيد قبولي في الجامعة بحمد الله واكمال اجراءات السكن.. حتى أتى يوم الجمعة 6\11\1436هـ، كنت أستشعر في هذا اليوم كل شيء بسيط كان أمامي 18 عام ولم استشعره.. غرفتي، أغراضي، وجه أمي، إخواني، الشارع، الغداء، وأشياء كثيرة كنت أنظر لها بقلبٍ مشتاق يتفطر من الألم قبل أن يفارقها حتى..
حتى أتى اليوم الموعود.. 6\11\1436 هـ، هذا اليوم الذي لن أنساه بكل تفاصيله.. ما زلت أذكر كل دقيقة وكأنه بالأمس
استيقظت على صوت المنبه الساعة 12 ظهراً وكنت قد جهزت كل حقائبي من ليلة البارحة.. كانت الخطة أن أجلس مع أسرتي قبل الذهاب، لكن ما حدث أنني لم استطع أن انظر بوجه أمي، أو إخواني، أو حتى الخادمة.. كانت دموعي تسبقني في كل مرة أقرر بها أن أفتح موضوع مع أحدهم، استسلمت لمشاعري ولم أحاول الضغط عليها أكثر.. مرت ثلاث ساعات لم أنطق بحرف واحد، كنت أكتفي بالنظر إليهم.. في الساعة 3:00 م تماماً، كنت أنظر لسريري وأفكر.. هل سأنام الليلة بنفس الراحة التي أنامها كل ليلة؟ هل سأستطيع النوم أصلاً؟
 
الساعة 5:00 .. انتهى أطول طريق سفر، كنت طوال الطريق أتخيل هذه الليلة كيف ستكون.. كنت أتخيل السكن.. المشرفات.. والأهم، كيف سأودّع أمي.. أمي التي لم أفارقها في حياتي حتى ليلة واحدة..
وصلنا للسكن، كان مكان غريب.. هادئ جداً، كنت أول طالبة تصل للسكن، كانت الفوضى تعم المكان، وكأن المكان لم يدخله أحد من سنوات.. كنت أشعر بالندم تلك اللحظة، تمنيت لو تعود لحظات تسجيل الجامعة، واختار جامعة في منطقتي.. ولكن سُرعان ما تردد صوت بداخلي يقول "ولئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"
ظلت أمي وعمتي مع الخدامة لتنظيف المكان، بينما ذهبت مع أخي وابنة عمي التي ستكون رفيقتي في السكن والتي لم تكن مشاعرها تختلف عني كثيراً، بل ربما كانت أكثر مني.. ورافقنا ابن عمي وابنة عمتي التي أتت لمساعدتنا..
قبل أسبوع من تلك الليلة، كنا نجهز أنا وابنة عمي قائمة طويلة من الأشياء التي نريد شراؤها، لكن حينما وصلنا.. تكفلت ابنة عمتي بشراء معظم الأشياء، لأننا أنا وابنة عمي عقولنا كانت متوقفة تقريباً عن العمل، كانت عقولنا تسبق الوقت، نفكر حينما يرجعون جميعهم للخبر.. كيف سنظل لوحدنا في هذه المنطقة التي اليوم دخلناها لأول مرة.. واليوم سنعيش فيها..
 
اشترينا كل ما نحتاجه، انتهت الخادمة من تنظيف المكان.. وأتت أصعب لحظة، لحظة توديع أمي..
لا زال صدى السماعات في رأسي، ومشرف السكن يردد "سوف تطفى الكهرباء لمدة ساعتين تقريبا" يا الله، فوق الوحشة ظلام أيضاً! خرجت أمي.. وأخذت قلبي معها، ظللت مع ابنة عمي في الصالة حتى الساعة 2:00 ص
كل واحدة كانت تقول "الحين بنام".. حتى اعترفت لها بأني أخاف من النوم في تلك الغرفة، واتفقنا على النوم في الصالة.. كنا نحاول النوم ولكن بالطبع لم ننم، حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر، أذكر أنه كان أطول سجود في حياتي، لأنه كانت قلبي الكثير والكثير من الدعوات، والقليل من الخوف..
 

الساعة 7:00 ص، خرجت ابنة عمي للجامعة بينما كنت أنتظر الساعة 9:00 ص لأخرج أنا الأخرى..
كانت أول محاضرة لي في تمام الساعة 9:30 ، والساعة 9:35 ما زلت في الباص.. يا الله كيف ستكون فكرة مدرسة اللغة الإنجليزية عني، متأخرة من اليوم الأول..
وصلت للجامعة، و وصلت للقاعة الدراسية.. من خلف الباب عرفت أن المدرسة من الجنسية الأمريكية، كيف سأتفاهم معها.. وكيف أفهمها سبب تأخيري، دخلت للقاعة وسمحت لي بالدخول، كنت أتأمل أوجه البنات لربما "أعرف وحدة بالغلط" لكن لم أتعرف على ولا واحدة منهم للأسف..
 
انتهى دوامي الطويل في تمام الساعة 3:20 وعُدت للسكن، كانت مشاعري في تلك اللحظة أصعب حتى من الليلة السابقة.. لم أنم يوم كامل فكنت أطمح بنومة عصرية عمييييقة بعد هذا التعب، ولكن حتى غفوة العصر أظن أنني قد ودعتها في منزلي، فلم أعتد أن أنم بستارة خفيفة، ومكيف بصوتٍ عالِ..
قررت أن اتصل بأمي، وأن أكمل واجباتي حتى يأتي الليل.. والحمد لله لطف بي الله في تمام الساعة 12:00 ص من اليوم الآخر، ونمت :)
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)