يوم لا "يترقع"

بسم الله الرحمن الرحيم

كان يوم 2 شعبان 1438 هـ ، يوم الجمعة الذي أعلنا فيه حالة الطوارئ بعد قرار حاكم البلاد بتقديم الاختبارات النهائية للفصل الدراسي الثاني، وحسب نظام كلية الطب بجامعة الملك فيصل فنحن لدينا 4 فصول دراسية، فقد كنا في أول أسبوع بالفصل الدراسي الرابع حينها، وأصبحت الاختبارات النهائية على بُعد أسبوعين فجأة، مما كثف ساعات الدوام، عدد المحاضرات، والكثير من الأشياء التي كنا نراها تعجيزية، والتي بفضل الله ثم فضل الصحبة الصالحة -سيرين- أصبحت ذكريات جميلة وممتعة!
من لحظة إعلان تقديم الاختبارات قررت البقاء في الأحساء -حيث كنت أدرس- طيلة ذاك الشهر..
كان صباح يوم الجمعة، استيقظت بهمة دراسية عالية، لكني فضلت إيجاد مكان غير غرفتي للدراسة فيه، وكان أغبى قرار أن يكون المكان هو غرفة رهف!
نزلت للدور الأول مع فواحتي الكهربائية -التي لا أستطيع الدراسة بدونها وبمجرد أن تنطفأ أنام- وكانت غرفة رهف تحتوي على كل ما تشتهيه النفس للدراسة من آلة قهوة وغلاية وشموع 
*ملاحظة: الفواحة والشموع وآلة القهوة والغلاية كلها ممنوعة في السكن ولكن سنتان كانت كافية لنتقن فن التهريب :)
وبدأنا بالمذاكرة والباب مفتوح -كما تحب صاحبة الغرفة- ماهي إلا نصف ساعة وتدخل موظفة الأمن للغرفة، تسترق نظرة سريعة  تعمل بها مسح سريع لكل الممنوعات، كانت أول ردة فعل لـ رهف أن أخذت شمعة وخبأتها خلفها، فهي تعلم بأن أجل ممنوعاتها قد اقترب، وتريد الاحتفاظ بشيء من رائحتهن..
بدأت مسؤولة الأمن بأخذ الممنوعات، توترت أنا حينها فمشاعري كانت مختلطة بين الحزن على فواحتي ومشاعر الإحراج من رهف فقد شعرت بأنني السبب في ماحدث -كما تقول أروى "كل مانزلتي غرفة رهف راحوا لها الأمن" ، اتصلت على أروى ولا أدري لماذا اتصلت، ربما لأشعر بالأمان فقط بما أنها تكبرني بسنوات قليلة..
بعد أن انتهت مسؤولة الأمن من جمع الممنوعات: "ماتدرون أن ممنوع بنتين يجلسون بالغرفة لحالهم؟ هذي عليها مخالفة" كانت وجوهنا بلا ملامح، ولا تعبيرات.. ردنا الوحيد كان: "!!!!!!!" 
هل نفذت منكم جميع الأسباب التي تحاولون التنكيد بها؟ طالبتان في غرفة مفتوحة تحيط بهن الكتب والدفاتر من كل جهة، ما المخيف بالموضوع؟
وبعد نقاش سيء دار مع موظفات الأمن قررنا العودة للدراسة وكأن شيئًا لم يكن مع أن الحزن كان واضح على ملامحنا بسبب أشياؤنا العزيزة التي سلبوها منا..
بعد العصر بقليل، وصلتني رسالة من صديقتي الحبيبة سيرين تطلب مني بها النزول لحديقة السكن، نزلت للحديقة وإلا بأجمل مفاجآة -هي- تنتظرني مع كيس لذيذ جدًا بما يحتويه :)


بعد العصر هو وقت غداؤنا المعتاد، طلبنا من مطعم برقر فيول، "وكنت في الوقت ذاته انتظر صاحب المغسلة لأعطيه أغراضي التي تحتاج إلى غسيل"
اتصل علي المطعم الذي ظننته المفسلة، نزلت عند الصندوق "هناك صندوق في باب السكن نضع في أغراضنا التي نريد تسليمها للمغسلة أو لشخص آخر ونستلم منه طلبات المطعم.. إلخ"
وضعت كيسة الأغراض، اتصلت على صاحب المطعم.. "خذ الملابس حطيتها لك بالصندوق" ، رد علي "أختي طلبك برا" 
"ايوه عارفة بس خذ الملابس" أغلق الهاتف مصدومًا..
يتصل للمرة الثانية، "أختي طلبك برا" ، أرد عليه "اوكي" وأنادي صاحب المغسلة من على الباب.. حتى صرخ من الشارع "بررررقرررررر فييييييول" 
هنا استوعبنا أنا ورهف أننا نعطي الملابس لصاحب المطعم، اعتذرنا منه وأخذنا الطلب.. وللأسف كالعادة نسي المطعم إزالة الطماطم من وجبة رهف، وهذه أسوء لحظة في يومي، حين يضيف المطعم كاتشب أو طماطم لوجبتها، يتنكد يومي قبل يومها، فرهف تتحول لشخص آخر حينما تجوع..
لم ينتهي اليوم السيء هنا.. بعد مجادلات مع المطعم وتوصيله لوجبة جديدة، وتناولنا لوجبة الغداء..
صعدنا لإكمال المذاكرة التي لم تبدأ.. دقائق إلا بصوّت زجاج ينكسر، أغمضت عيني، لا أريد أن أفتحها وانصدم بالشيء الذي كُسر.. عندما فتحت عيني وجدت الشمعة "التي خبأتها رهف خلفها حينما أتت موظفة الأمن، والتي هي آخر شيء من رائحة مفقوداتنا العزيزة" انكسرت..!
التفت على رهف، وإذا بها تبكي، أعلم أنها لا تبكي بسبب الشمعة، ولكن بسبب اليوم الذي لم نستطع "ترقيعه"
رهف: خلاص فجر بنام، هذا اليوم لازم يخلص بأسرع وقت..
وصعدت لغرفتي لأكمل هذا اليوم لوحدي :)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)