إنّ بعد الليل فجرٌ ينتظر 🌥

بسم الله الرحمن الرحيم

رغم أن هذا اليوم كان قبل أربع سنوات من اليوم، إلا أني أحببت تدوينه نظرًا لخليط الحسرة والسعادة الذي يعتريني كلما تذكرت ذاك اليوم، وخوفًا من أن تمحو تفاصيله الأيام القادمة..
كان الأسبوع الختامي لبرنامج موهبة الإثرائي بجامعة الدمام، كنت في مسار العلوم الطبية الحيوية، ومُتطلب من كل طالبة أو مجموعة طالبات عمل مشروع ابتكاري وتقديمه في اليوم الختامي، كعادتي لم أفضل العمل في مجموعة وعملت على مشروعي لوحدي، كان المشروع يهتم بفيتامين د، وكنت أول طالبة تقوم بإنهاء المشروع ولم يتبقى لي سوى لوحة العرض.
قبيل الحفل الختامي بليلة جهزت لوحتي البيضاء الفارغة وكتبت عليها اسمي وتركتها في الجامعة مع بقية اللوح، وفي المنزل قمت بإعداد محتوى اللوحة ولم يتبقى لي سوى تركيب المحتوى على اللوحة. جميع الطالبات أتوا باكرًا يوم الحفل الختامي إلا أنا لأني سبق وأن انهيت عملي، وعمل اللوحة لن يستغرق دقائق، فأتيت للجامعة قبيل صلاة الظهر، والحفل الختامي يبدأ بعد صلاة العصر، وإذا بي أفاجئ بأن لوحتي ليست موجودة! الجميع أصبح يبحث معي، ولكن اللوحة اختفت تمامًا! ضاقت علي الأرض بما رحبت، كل المكتبات تكون مغلقة في الفترة مابين الظهر حتى العصر، خرجت ماشية على قدمي للمكتبات المقابلة لكليات حي الريان، ولكن آذان الظهر كان أسرع مني. عدت إلى الكلية وأنا أرى كل المتأخرين تقدموا، وأنا التي كنت متقدمة على الجميع تأخرت، بل وتبعثر جهد شهرًا كاملًا بلحظة! حاولت إحدى الزميلات تهدئتي قدر المستطاع وإعطائي بعض الحلول الغبية كأن استبدل اللوحة بالجدار، وحاولت إقناعي بأن هذا سيجعلني متميزة عن الباقين. وفجأة تذكرت بأني كتبت اسمي بالقلم الرصاص خلف لوحتي! طلبت من المشرفة أن تبحث خلف لوحات البنات، وسمعت من إحداهن (الطالبة التي حاولت تهدأتي) : "شدعوة فجر تشكين فينا"، تجاهلتها وبدأت المشرفة بالبحث، وفعلاً كان اسمي موجود خلف لوحة إحدى المشاريع! والصدمة أنه خلف لوحة الطالبة التي كانت تقنعني باستخدام الجدار! 
لا! لم أنطق بكلمة، ولم أتشاجر معها، فالوقت قد فات! كانت ردة فعلي الوحيدة هي البكاء، وكانت أغبى ردة فعل في حياتي كلها. حاولت الطالبة الإعتذار وبررت بأنها أتت مبكرة وأنها تعلم بأني لن آتي إلا الظهر فقررت استخدام لوحتي وأن ترسل أباها ليشتري لي أخرى قبل أن أأتي ولكن أباها كان مشغول. نعم العذر أقبح من الذنب بكثير ولكن إن خرجنا للعالم الخارجي واختلطنا به، لابد لنا أن نقابل من هذه الأصناف من البشر وغيرها الكثير.
اقترب العصر وليس في اليد حيلة، ذهبت لمكان بعيد واستمريت في البكاء، وقررت عدم حضور الحفل الختامي وكنت على وشك الإتصال بوالدي كي أعود للمنزل، وإلا بصديقة تنادي: "برافو فجر، كذا تستلمين بسرعة أنتي" وإذا بالمسؤولة د.رنيم (طبيبة مخ وأعصاب) والتي كان من المفترض أنها تقوم بالاستعداد وترتيب شكلها للحفل الختامي، تأتي لي وتخبرني بأنها ستحاول أن تعرض مشروعي بشكل مرتب، وطلبت مني أن استعد للحفل، لا أنسى موقف صديقتي الحبيبة مجد وقتها، قمنا بالإستعداد سويًا وقامت هي باستقبال أمي بنفسها، وما إن انتهيت إلا و د.رنيم تخبرني انها انتهت من ترتيب مشروعي حيث قامت بترتيبه بشكل بسيط على الطاولة ولكن يفي بالغرض، وبدأنا بالاصطفاف استعدادًا لمسيرة الموهوبات.
تبدأ مراسم الحفل، كلمة مدير موهبة، كلمة مديرة البرنامج، كلمة الموهوبات، تكريم الموهوبات... إلخ، حتى حانت الفقرة الأسوء بالنسبة لي دائمًا في مثل هذه البرامج؛ "تكريم الطالبة المتميزة على موهبة" أظهرت عدم الإهتمام للفقرة، وفي قلبي ثقة كاملة بأني آخر شخص سيطرأ على بالهم ترشيحه، فالبرنامج كان باللغة الإنجليزية وكانت لغتي ضعيفة ذاك الوقت، صحيح كنت أحاول ولكنها ضعيفة. فضلًا عن اللوحة الضائعة، حتى في الخيال أخجل أن اتخيل أنني مرشحة. مددت أرجلي على الكرسي المقابل إشارة لعدم الإهتمام، وطلبت منا مقدمة الحفل النظر إلى الشاشة حيث سيظهر اسم الطالبة المتميزة.. ثواني ثم ظهر الإسم... : "فجر عبدالرزاق الدليجان" كل من في القاعة يصفق وكان تصفيقًا حار جدًا، صعدت للمسرح وتم تكريمي، وصعدت لي د.رنيم واحتضنتني من الفرحة، حيث أنها هي مشرفتي.. أمي لم تسعها الدنيا من الفرحة ولم تتخيل بأني سأكرّم كطالبة متميزة من بين مجموعة طالبات موهوبات مبدعات متميزات! الحمدلله من قبل ومن بعد. وبعد انتهاء الحفل الختامي كان وقت عرض المشاريع، قمنا بتقديمها وحين انتهينا أتت لي د.رنيم لتسلم علي وتنصحني نصيحة أخيرة: "لو ربي كتب لك ودخلتي طب رح تكوني طبيبة مرة كويسة إن شاء الله، لكن لا تصيري طبيبة أطفال عشانك مرة بكاية ودلوعة ماحتتحملي صياح الأطفال وحتصيحي معهم".
كان هذا اليوم في الصف الأول ثانوي، اليوم أنا أنتقل للسنة الثالثة بكلية الطب والجراحة، الحمدلله من قبل ومن بعد! ❤️ الحمدلله على كل شيء!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)