هل يرضى الإسلام أن أكون طبيبة؟
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
الحمد لله الشافي
المعافي، والصلاة والسلام على أشرف المؤمنين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا
كثيرًا إلى يوم الدين.. أما بعد
أحبُ أن استفتح
مقالي هذا بمقولة الإمام الشافعي: "إنما العلم علمان: علم الدين وعلم الدنيا.
فالعلم الذي للدين هو الفقه والعلم الذي للدنيا هو الطب" وفي رواية أخرى عنه أنه
كان يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويقول: ((ضيعوا ثلث العلم ووكلوا إلى اليهود
والنصارى)) [آداب الشافعي ومناقبه للرازي]
أنا وأنت.. كلنا
نعرف نظرة بعض أفراد المجتمع لتخصص الطب، وللطبيبة على وجه الخصوص، فللأسف وصلنا لعام
1437 هـ ولم يزل هناك بعض الآباء الذي ينزل عليه خبر رغبة ابنته لدخول تخصص الطب أو
التمريض كالمصيبة. قد تكون هناك أخطاء فردية من بعض الطبيبات، ولكنها نسبة لا تُذكر
بالنسبة للطبيبات العفيفات اللاتي اختارهن الله ليكون على أيديهن الشفاء بإذنه.
لم تزل تفاصيل
مقطع رأيته منذ سنوات عالقة في مخيلتي، امرأة اتصلت على شيخ تبكي بحرقة شديدة، وتقول:
"ياشيخ أريد الجهاد، أريد الانتقام من اليهود" فأوصاها الشيخ بالدعاء، فهي
امرأة لا تستطيع الجهاد. استشعرتُ ألم هذه المرأة، وكيف تحمل هم الأمة بأسرها! تخيلت
لو أن كل واحدة منا حملت هم هذه الأمة والدفاع عنها مثل مافعلت تلك المرأة، كيف سيكون
حال الإسلام؟ سيكون أقوى، سنعيد لإسم "المسلمة" عزتها وقوتها التي كانت في
عهد أمهاتنا الصحابيات رضوان الله عليهن. ولأن الإنسان يجب أن يبدأ التغيير من نفسه،
فيقتدي به من حوله، أصبح حلمي الذي لا يكاد يفارقني دقيقة واحدة، أن أكون طبيبة ملتزمة
بدينها وحجابها، داعية للإسلام بخلقها وعلمها. فالدعوة للإسلام بالعمل خيرًا من الدعوة
له باللسان فقط.
لنعود ألف و اربعمائة
و اربعة و ثلاثون عاماً، حيث الحضارة والازدهار، حيث أمنا الصحابية الطبيبة رفيدة الأسلمية،
التي أُطلق عليها الفدائية لأنها كانت تدخل أرض المعركة تحمل الجرحى وتُسعف المصابين
وتُشجِّع المجاهدين. كانت رضي الله عنها تخرج في الغزوات وتنقل معها خيمتها فوق الجِمال
بكل متطلباتها واحتياجاتها، لتستضيف الجرحى، تضمّد جراحهم، وتداويهم. وتشاركها العمل
الصحابيات رضوان الله عليهن جميعًا. فكانت هي أول طبيبة في الإسلام، وأول من أسست مستشفى
ميداني في الإسلام بالرغم من بدائيته. وهذه واحدة من بين العديد والعديد من الصحابيات،
اللاتي فضلن العمل بهذه المهنة. ومن بعدهن مسلمات برعوا في مجال الطب والجراحة والتوليد..
ولا يسعني ذكرهنّ جميعًا في مقالي هذا.
لو كان الطب مجال
غير مناسب للمرأة في الإسلام خصوصًا، لكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من عارض
عمل المرأة في مجال الطب والتمريض. جاءت امرأة من نساء الصحابة يقال لها أم سنان الأسلمية
تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج معه يوم خيبر لمداواة الجرحى فقال لها:
(أخرجي على بركة الله) وقال مثنيا على أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد (ما ألتفت يمينا
ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني) وكان يسمي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث (بالشهيدة)
لأنها استأذنته يوم بدر للخروج معه لمداواة الجرحى وتمريض المرضى لعل الله يرزقها الشهادة.
إذا كان هذا هو
موقف سيدنا وحبيبنا وقدوتنا من عمل المرأة في مجال الطب، فلماذا تردعنا نظرة المجتمع
وتجعل بعض الفتيات يعزفن عن هذا التخصص؟ إذا كان الطب وسيلة قوية تنصر بها المسلمة
دينها وترفع به نفسها إن أحسنت العمل به، فما المهم بعد ذلك؟
قال تعالى:
"ومن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا" –
[32] سورة المائدة
إن سألتني.. فوالله
لن أتردد بتقديم عمري كله، لأنال هذا الفضل العظيم، لأنبض بالقلب الطبي، لأكون الطبيبة
التي يكتب الله على يديها الشفاء والدواء بإذنه، لآخذ من صحتي فأسكبها في جسد مريضي..
فأنال شرف كوني مسلمة طبيبة.
وأختم مقالي بحديث
الرسول - صلى الله عليه وسلم –" : إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه
من علمه وجهله من جهله ، وفي لفظ : إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، أو دواء ،
إلا داء واحدا ، قالوا : يا رسول الله ما هو ؟ قال : الهرم " أخرجه الترمذي.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
فجر عبدالرزاق الدليجان
طالبة في كلية الطب والجراحة
بجامعة الملك فيصل
دفعة 216
طالبة في كلية الطب والجراحة
بجامعة الملك فيصل
دفعة 216
المراجع:
·
كتاب
الطب النبوي لابن القيم.
تعليقات
إرسال تعليق