ليلة ماطرة.. واختبار نهائي!

بسم الله الرحمن الرحيم

كثيرة هي ذكرياتنا.. وكأننا عشنا ألف عام..!

عدتُ من الجامعة، تناولت وجبة الغداء.. لأبدأ مباشرة بالمذاكرة لاختباري النهائي للمادة ذات الساعات الأكثر في تلك السنة، وكعادتي بعد صراع طويل مع هذه المادة قررت أخذ قسطاً من الراحة والنوم لأكمل ما تبقى لي بعد منتصف الليل.

الساعة 10:00 م كنت منهمكة في عمل ما اعتدت عليه ماقبل النوم.. وإذا بجرس إنذار الحريق يرن، لم ألقي له بالاً فلقد اعتدت على سماع صوته بل والنوم على إزعاجه، فهو يرن من مجرد بخور في الممر.. مشرفة السكن تنادي بمكبرات الصوت: "الرجاء إخلاء المباني والخروج إلى الحديقة الخارجية، هناك حريق بالدور الأول عمارة سبعة"
لم أسمع كلامها جيدًا لأن صوت الجرس كان أعلى ولكن لم أهتم لأعرف ما تقوله، فأنا متأكدة من أنها تقول كالعادة: "ياطالبات مافيه شي لا تخافون"

بعد مرور دقيقة تقريبًا بدأت أسمع صراخ الطالبات وضرب الأبواب فخرجت مسرعة وإذا الممرات تزدحم بالطالبات متوجهين نحو مخرج الطوارئ، طالبة تعود لتأخذ عبايتها والأخرى تذهب لغرفة صديقتها لتخبرها بأن الجرس هذه المرة لا يكذب.. كنت آخر طالبة تخرج من الدور وما إن توجهت إلى مخرج الطوارئ إلا والدخان يتصاعد وكلما اقتربت من الدور الأول يزداد الدخان!

لم أعرف ماذا أفعل لحظتها فابنة عمي نائمة بالدور الأول وصديقاتي بالرابع وأخرى بالثاني وبعضهم بالثالث.. 
توجهت إلى الحديقة مع أفواج الطالبات بشعري المبلل الذي بلل عبائتي، كنا نخرج ورجال الأمن والعمال يدخلون إلى المبنى

الأصدقاء بالمواقف وليس بطول السنين.. حقيقة أدركتها تلك الليلة 

رويدا.. التي اتصلت لتطمئن بأني خرجت من المبنى بالرغم من هيبة الموقف، فأنا بالكاد ذكرت عبائتي ولكن المحبة الصادقة ينبع منها الخوف الحقيقي على من نحب..
روان.. كنا نذاكر للاختبار في الصالة قبل أن أقرر الذهاب إلى النوم، وبالرغم من الفترة القصيرة جدًا التي عرفتها فيها إلا أنها اتصلت لتتأكد من خروجي
أنفال.. اتصلت أكثر من مرة لتتأكد بأني تعاملت مع الموضوع بجدية وخرجت من الغرفة
نورة.. جارتي بالغرفة التي تأكدت من خروجي منها
أنوار.. التي تمارس معي دور الأم والأخت الكبيرة دائماً في السكن، فأجادت ذلك الدور بخوفها وحبها واهتمامها تلك الليلة
وأخيرًا.. رهف التي اطمأنت علي بطريقة احترافية وطريفة جدًا، عن طريق "الواتس اب".. ناسية بأن الواحدة منا في ذاك الموقف بالكاد تذكر نفسها قبل أن تفكر باستخدام برامج التواصل الإجتماعي لحظتها

أول من توجهت إليه هنّ روان وأنفال ومنى اللاتي انفجرن ضاحكات عندما رأوا شكلي وشعري المبلل.. فأعطتني روان جاكيتها الذي ترتديه في تلك الليلة الباردة جدًا لكيلا أمرض في ليلة امتحاني النهائي وظلت هي بلا جاكيت! إيثار لن أنساه ماحييت

ثم توجهت بعدها لرويدا التي لم تكن ردة فعلها مختلفة عنهنّ.. ثم بعد ذلك ذهبت لـ "شلة الطب" بعد اتصال من أنوار ونورة... حتى أنوار كان شعرها مبلل مثلي، فآثرتها على نفسي وأعطيتها جاكيت روان التي آثرتني على نفسها هي الأخرى، فكما شعرت روان بأني أحتاج للدفء أكثر منها وخافت علي من الهواء، شعرت أن أنوار أحق مني بتلك اللحظة..

ثم ذهبت لابنة عمي ورفيقتي رهف.. في تلك اللحظة عندما كانت الساعة الواحدة تقريبًا بعد منتصف الليل والجو بارد والغيث بدأ يتساقط وأغلب الطالبات يحملن هم اختباراتهن النهائية فقد كنا في فترة اختبارات نصف نهائية.. آثرتني رهف أيضًا فأعطتني جاكيتها حفاظًا على صوتي لاختبار الغد. "المشاعر الصادقة ادفأت أجواء ذاك اليوم البارد"

لم نعود للغرف إلا الساعة 1:30 بعد منتصف الليل، كان السقف يتساقط بسبب المياه التي استخدموها لاطفاء الحريق، والدور الأرضي مع الأول غارقين بالمياه..

الساعة 2:30 تقريبًا.. الكل عاد لغرفته ونام، ولكن كعادتي بعد موقف كهذا لا أستطيع النوم.. كنت أغبط زميلاتي من منطقة الاحساء بتلك اللحظة فهنّ نائمات في بيوتهن وسيؤدين اختبارهن بعد نوم عميق بذهنٍ صافي، أما أنا فذهبت للاختبار بعد نوم لا يتجاوز الساعة والنصف..

لا يترك الله عبدًا صابرًا دون أن يجازيه، ولم أجد في هذه الحياة من يعينني كالله.. فلا حول ولا قوة إلا بالله

كلنا نجحنا في الاختبار بعون الله وتوفيقه والحمدلله.. ولكن من نام في تلك الليلة كان نجاحه نجاح لا يُذكر، لأنه اختبار عادي.. أما أنا، فنجاحي درس لن أنساه طيلة عمري، والحمدلله اللطيف.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

للأطباء المُقبلين على السنة الأولى في البورد السعودي لطب الأسرة، وأطباء الإمتياز المُهتمين بتخصص طب الأسرة..

مدرسة شرق لتعليم قيادة المركبات

جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل (الدمام)، وجامعة الملك فيصل، الفرق بين تجرتين ثريتين! (تدوينة للطلبة الراغبين بالتحويل)